الأمير محمد بن حمد بن معمر (الثاني) (1138هـ- 1142هـ):

هو الأمير محمد بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر بن حمد بن حسن بن طوق بن سيف التميمي. خلف محمد جده عبد اللّه المتوفى عام 1138هـ على إمارة العيينة وكان توليه الإمارة فيها في العام نفسه.


كان محمد يعتبر أبرز المؤهلين من أحفاد عبد اللّه لتولي هذه المهمة، وهو كما أسلفنا أكبر أبناء حمد بن عبد اللّه.

ورث الأمير محمد أكبر إمارة وأقواها في نجد عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً.

ولكن الوباء الذي اجتاحها عام 1138هـ، وأفنى جل أهلها أثر على قوتها وهيبتها إذ إن شريحة كبيرة من الأموات في ذلك الوباء هم من الرجال المقاتلة الذين بمجهوداتهم بسطت العيينة وجودها على الخارطة النجدية، أما بقية الرجال الذين نجوا منه فيمرون بفترة نقاهة جسمية ونفسية بعد الوباء الذي أدخل الألم والحزن على جميع بيوت العيينة.

ولا شك أن الأمير محمد كان يتمتع بمواهب قيادية جيدة ولكن الظروف البشرية للعيينة لم تساعده على إبراز مواهبه خصوصاً في السنة الأولى لإمارته، انتشر انحسار الوباء عن العيينة وخلوها منه بين البلدان النجدية فطمع الكثير في أموال العيينة وأثاثها ومزارعها، وظنوا أنها ستكون صيداً سهلاً وغنيمة يسيرة.

وكان زيد بن مرخان أمير الدرعية من أولئك الطامعين في خيرات العيينة فجند أهل بلده وأتباعه من بوادي آل كثير الذين كان بينهم وبين العيينة مواجهة دامية في العمارية عام 1137هـ ، وكذلك بوادي سبيع، قال ابن بشر: « لما أصاب العيينة الوباء المشهور وأفنى رجالها ومات رئيسها عبد اللّه بن معمر طمع زيد بن مرخان وأتباعه في أموالها، وأرادوا نهبها فساروا إليها بآل كثير وبوادي سبيع وغيرهم». إذاً قاد زيد تلك الجموع يحدوهم الأمل بالحصول على غنائم وخيرات كثيرة، وأرجح أن هناك ثلاثة أسباب مهمة على الأقل جعلت زيد يقدم على عمله هذا :

وهو الأهم في نظري يتمثل في القضاء على خصمه السياسي، ومنازعه الرئيس على إمارة الدرعية وهو موسى بن ربيعة بن وطبان أمير الدرعية السابق، والذي يقيم في العيينة جلوي (لاجئاً سياسياً).

دافع اقتصادي والذي عبر عنه ابن بشر بالطمع في خيرات العيينة.

كما كان زيد يسعى للظهور بمظهر الأمير الأقوى في وادي حنيفة. عسكرت الجيوش المهاجمة قريباً من العيينة وبالتحديد في روضة عقرباء شمال الجبيلة. ومر أهل العيينة بفترة لا شك عصيبة وفكر أميرها بحيلة لينقذ بلده وخيراتها وسمعتها، فهداه تفكيره إلى الخدعة، والحرب كما قيل خدعة والغاية تبرر الوسيلة، وهي خير وسيلة للدفاع عن بلده خصوصاً أنه ليس لديه الجيش والرجال الذين يستطيع أن يواجه بهم المهاجمين بسبب موت أكثر مقاتلي العيينة في الوباء ثم لو كان لديه مقاتلون فهم ليسوا بكثرة المهاجمين، كما أنه لا يريد أن يزج بهم في معركة لا يضمن نتائجها وهذه أول مره تسجل المصادر التاريخية محاولة غزو مدينة العيينة، والتي لم تهاجم في تاريخها الطويل. وهكذا أرسل الأمير محمد إلى الأمير زيد بن مرخان وأوضح له أنه لن يستفيد إذا نهبت البوادي العيينة بل الأفضل له أن يطلب ما يريد وستستجاب طلباته، كما طلب منه أن يأتي إلى العيينة لإملاء شروطه .

اقتنع زيد واختار من قادة الغزو أربعين رجلاً هم أعضاء الوفد الذين صحبوه للعيينة، وأشهرهم محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية، ودغيم بن فايز المليحي ، واستقبلهم أمير العيينة وأدخلهم القصر، وكان قد رتب رجالاً من قومه يجيدون الرمي بالبندق في أماكن مناسبة، وأعطاهم تعليمات بسرعة إطلاق النار على زيد عند دخوله القصر وكان التركيز على زيد إذ بمقتله يفشل الغزو، فأطلقوا عليه النار وأصابوه إصابة مباشرة فمات، تنبه محمد بن سعود ومن معه ودخلوا في أحد غرف القصر وتحصنوا فيها، ولم ينزلوا إلا بأمان الجوهرة بنت عبد اللّه بن محمد بن معمر، عمة الأمير محمد وصل خبر مقتل زيد إلى المعسكر في عقرباء فتفرق ذلك الجيش، ورجع محمد بن سعود بمن معه من أهل الدرعية إلى بلده وقد قتل أثناء إطلاق النار على زيد كل من موسى بن ربيعة أمير الدرعية السابق الذي أصابه عيار طائش ودغيم المليحي السبيعي واستقل محمد بن سعود بإمارة الدرعية وغصيبة، وخسر أمير العيينة صديقه موسى بن ربيعة الذي كان ورقته الرابحة في مواجهة الدرعية.

ثم قام الأمير محمد بن حمد بعزل قاضي العيينة الشيخ عبد الوهاب بن سليمان بن مشرف والد الشيخ محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة السلفية لخلاف بينهما، وعين بدلاً منه أحد أقاربه وهو الشيخ أحمد بن عبد اللّه بن عبد الوهاب بن مشرف الذي كان جده وأبوه من قضاة العيينة وعلمائها فيما مضى وانتقل الشيخ عبد الوهاب بن سليمان بعد ذلك إلى حريملاء للإقامة بها، وبقى محمد أميراً للعيينة حتى عام 1142هـ حيث قتل رحمه اللّه في معركة مع آل نبهان من آل كثير، ومدة إمارته أربع سنوات، وخلفه على إمارة العيينة أخوه عثمان بن حمد بن معمر.