بدء معارك الدعوة :

بعد أن أعلن عثمان بن معمر استعداده للمشاركة العسكرية مع قوات الدرعية تبين أن ميزان القوى رجح لصالح الدرعية، فبدأت أولى المواجهات بين جيوش العيينة والدرعية من جهة وقوات الرياض من جهه أخرى، وأولى تلك المواجهات هي :

موقعة الشياب :
تحركت قوات العيينة والدرعية بقيادة عثمان بن معمر ومحمد بن سعود صوب الرياض في عام 1159هـ فلما قربوا من البلد أغار جزء من الجيش عليها، والبعض الآخر كمن قريباً منها، فخرج أهل الرياض بقيادة أميرهم دهام بن دواس لصد القوات المهاجمة ودارت رحى المعركة في مكان يسمى « الوشام » ، وخرج الكمين عليهم فولوا منهزمين للرياض وقتل منهم عشرة رجال منهم شايبان من آل شمس. وسميت الموقعة بهم، وهكذا ردت الدرعية اعتبارها في هذه الموقعة وتم قتل أكثر من ثلاثة أضعاف قتلاها في موقعة «فيضة لبن».


موقعة العبيد :
وبعد موقعة الشياب وفي العام نفسه قاد الإمام محمد بن سعود قوات الدرعية وعرقة وتوجه للرياض ونشب قتال بين الطرفين انتهى بهزيمة قوات الرياض ومقتل عشرة رجال من أهلها أغلبهم عبيد فعرفت هذه الموقعة بموقعة العبيد أو غيبه.


في عام 1160هـ قاد دهام ابن دواس قوات الرياض من حاضرة وبادية وهاجم الدرعية، ونشب قتال بين الطرفين وانتهت المعركة بهزيمة الدرعية ومقتل خمسة من رجالها أشهرهم ابني أمير الدرعية فيصل وسعود.


موقعة دلـقـة :
وبعد مقتلهما استعد والدهما للثأر لهما وللدعوة «وشمر للحرب» حسب رواية ابن بشر وجهز جيشاً مكوناً من أهل الدرعية وقراها وأهل منفوحة ، كما اشترك فيه أهالي العيينة ولم يشترك عثمان بن معمر فيه، وسار محمد بن سعود بهذه القوات في ربيع أول عام 1160هـ إلى الرياض ودارت رحى المعركة في وسط البلد، وأسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى بين الفريقين أكثرهم من أهل الرياض ، ومعنى هذا أن الدرعية هاجمت دهام في بلده واستطاعت أن تخرج من ذلك الهجوم بانتصار واضح حسياً ومعنوياً على قوات الرياض ويتضح من مسمى المعركة دلقة أو الشراك أنه استعمل فيها عنصر المفاجأة أثناء الإغارة على الرياض. وتعرف هذه الموقعة بموقعة «دلقة» أو «الشراك» وكانت هذه الغزوة من غير مشورة عثمان بن معمر ورضاه ، فلم يحضرها.
وحاول عثمان الإصلاح بين القائمين بأمور الدعوة وبين خصومها في اجتماع في العيينة ولكن الشيخ محمد رفض الحضور.



أما عن الأسباب التي وقفت عائقاً أمام حضور الشيخ محمد بن عبد الوهاب لاجتماع العيينة الذي دعي له أمير الرياض وأمير ثرمداء في رأيي فتتمثل في :

1-نجاح بعض أنصار الشيخ في تحذيره من حضور الاجتماع، قال ابن بشر «وجاءه النذير عنهم بذلك يحذره من الحضور عندهم، وأبى الشيخ أن يقدم عليهم»،وحسب قول ابن غنام فإن الشيخ أبدى غاية الامتناع، واعتذر عن الموافاة والاجتماع.

2-لم يكن الجو العام في الدرعية مهيأ للمصالحة مع أمير الرياض دهام بن دواس، إذ لم تجف بعد دماء قتلى الدرعية وخاصة سعود وفيصل ابني أميرها ، اللذين قتلهما ابن دواس في هجومه على الدرعية أوائل عام 1160هـ.

3-كان من الصعوبة على الشيخ أن يصافح دهام بن دواس في صلح ويداه ملطخة بدماء مناصريه في منفوحة والعمارية والدرعية التي كان بينه وبين أميرها معاهدة ومبايعة على أن الدم بالدم والهدم بالهدم .

أما مؤرخا الدعوة ابن غنام وابن بشر فقد وصفا محاولة أمير العيينة الإصلاحية تلك بأنها خيانة وغدر.

وحينما ناقش الشيخ حمد الجاسر تلك المحاولة قال : « لاشك أن ما فعله عثمان من محاولته الإصلاح بين القائمين بأمور الدعوة وبين عدويهم اللدودين صاحب الرياض وصاحب ثرمداء بدون مشورة واتفاق على ذلك بينه وبين الشيخ محمد والأمير محمد بن سعود من الأمور التي يؤاخذ عليها، مهما كان قصده، ولعل الشيخ في امتناعه عن الحضور، اتضح له من خفايا الأمر مالم يتضح في العبارات المبهمة من كلام المؤرخين الذين وصفوه بالخيانة والغدر، ولا نريد أن نذهب بعيداً في محاولة الدفاع عن عثمان، أكثر من القول بأن فعله هذا وسع شقة الخلاف وهيأ للناقمين عليه - ومنهم بعض أهل بلده من قومه - أقوى الوسائل للنيل منه».

ثم بعد ذلك صحب أمير العيينة معه أمير حريملاء ووجهاء البلدين إلى الدرعية وتم الاتفاق في الدرعية على إسناد قيادة جيش الدعوة لعثمان بن معمر.

وما كان أعضاء هذا الائتلاف وفيهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود يختارون قائداً لهذا الجيش القائم على أساس الدعوة الا لرجل يطمئنون إلى ظاهره وباطنه ويثقون بكفاءته وقدرته ولا يشكون في مبادئه وإخلاصه للدعوة، لأن نجاح الدعوة مقرون بكفاءة وإخلاص قادتها ثم إنها أمانه ومصير دعوة ودولة ، كما أن أمير العيينة معروف للشيخ قبل انتخابه، علماً أن الدعوة استفادت من إمكانات ابن معمر واطمأن عثمان لهذه النتيجة التي انتهت إليها مفاوضاته في الدرعية، وبدا وكأن الأمور قد حلّت حلاً موفقاً.

وعلى هامش هذا الاجتماع الذي تم في الدرعية منتصف عام 1160هـ ولزيادة التآخي والتصافي والمحبة والاتفاق تقوت الأواصر بعدد من الزيجات السياسية بين أبناء وأقارب قادة الائتلاف أهمها :

1-زواج عبد العزيز بن محمد بن سعود ابن أمير الدرعية من كريمة أمير العيينة عثمان بن معمر، وأنجبت منه عام 1161هـ سعود بن عبدالعزيز الذي أصبح إماماً في الدرعية بعد مقتل والده عام 1218هـ .

2-تزوج مشاري بن إبراهيم بن معمر ابن عم الأمير عثمان ، والذي تولى إمارة العيينة فيما بعد، بين عامي 1163 إلى 1173هـ من كريمة أمير الدرعية محمد بن سعود، وأنجبت منه محمد بن مشاري بن معمر أحد أعيان الدرعية وأميرها ما بين عامي 1235-1236هـ .

ومضت بقية عام 1160هـ دون أية مواجهات عسكرية بين الدعوة وخصومها. ونشطت المراسلات لإيضاح أهداف الدعوة من قبل الشيخ محمد، ومن قبل أمير العيينة عثمان بن معمر الذي بدأ يراسل علماء الإحساء وبخاصة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن عفالق، وبين يدي صورة لرسالتين من الشيخ ابن عفالق للأمير عثمان بن معمر رداً على رسالتين منه لابن عفالق، يشرح لابن عفالق فيهما صحة ما يدعو له الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وسأعرض هنا لمقتطفات من بعض ما كان يدعو إليه عثمان بن معمر في رسالتيه لابن عفالق :

1-قال عثمان لابن عفالق : « إن الكلام أوله وآخره في كلمة التوحيد والاختلاف عندها».

2-ثم قال عثمان : « أن لكم من اثني عشرة سنة تعالجون هذا الأمر، فأنكرتموه أولاً وثبتكم فيه المطاوعة يقولون هذا حق، والذي يسوا في الأحساء شرك وفي غيرها كذلك وتقولون عذرهم أنهم ما يقدرون على إزالته وأنهم خابرينه قبل ابن عبد الوهاب ».

3-ثم قوله : « إن كان العلماء ذكروا أن هذا الذي ملأ الأرض من التعلق على الصالحين وغيرهم ودعائهم والذبح لهم دين اللّه ودين رسوله فأذكروا لنا وسمعاً وطاعة. وإن كان مذكور أنه شرك باللّه إلا في حق النبي، وإن النبي يدعا مع اللّه ولا يدعى الاثنين جبار السموات والأرض وعبده ورسوله محمد فكذلك، وإن كان دعوة غير اللّه شرك ولا يدعى مع اللّه أحد لانبي ولا غيره، ولو كان مراد الداعي الاستشفاع لكنه شرك أصغر لايخرج عن المله...».

4-ثم قوله : « حق اللّه على العبيد طاعته وإتباع أمره..».

5-ثم قوله لابن عفالق : « ثمرة الكلام مني إليك محبة وشفقة، وأن هذا الأمر رايعني - يقصد معارضة ابن عفالق للدعوة - وخفت عليك مثل ما أخاف على نفسي، فأعرف أنني ناصح لك ومشفق عليك، وخايف لامن فقر ولا من عذاب دنيا بل خايف عليك من غضب الجبار، ومن سجن النار فاعلم أنها نصيحة لك» انتهى كلام عثمان بن معمر».

ويتضح من كلام ابن عفالق استياؤه من دعم عثمان للدعوة، وينكر عليه دعمه للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ونقتطف من كلامه لعثمان ما يلي :

1- يقول ابن عفالق لعثمان بن معمر: « فلا يخفاك أن ابن عبد الوهاب رام أمراً وفهم أنه لا يدركه إلا بك فلابسك وتمكن من عقلك وذهنك وأخاف المطاوعة بك فداخلهم الخوف منك على النفس والمال..».

2- ثم يقول : « هذا الرجل (يقصد الشيخ محمد) ليس في قوله اختلاف عندكم بل كل قوله مقبولاً تأخذونه من غير بينةٍ ولا دليل، وتنفرون عن ما سواه من الأقوال وتعيبونه..» .

3- ثم يقول : « فلقد شربت قلوبكم وأنفسكم كلامه » .

4- ويقول « وأرسلت لك مافيه الكفاية مع علمي أن ابن عبد الوهاب لا يأخذ به ولا يعمل به ، وأنتم له تبع في كل مايقول..».

ثم يتوقع ابن عفالق مصير رسائله تلك إلى عثمان بن معمر فيقول : « فكأني بنفسك الأمارة (يقصد عثمان بن معمر) تستهزئ بالحق وأهله وتصعر خدك إذا عرض عليك وتنها اتباعك أن يستمعوه أو ينظروا إليه».

ويصدق توقع ابن عفالق فإن عثمان ضرب بالانتقادات التي وجهت له إزاء دعمه للشيخ عرض الحائط، وأوضح لابن عفالق أن الشيخ محمد يسير على طريقة السلف وأنه لم يبتدع أمراً جديداً وأن ما لديه هو كلام العلماء والأئمة ، فيقول عثمان بن معمر في رسالة منه للشيخ ابن عفالق ما يلي : « ابن عبد الوهاب يقول هذا مذهب العلماء كلهم وعندي كتبهم حاضرة..».

ويقول أيضاً : « إن ابن عبد الوهاب ما عنده غير كتب أهل العلم». ثم يدعو عثمان بن معمر الشيخ محمد بن عفالق وغيره من العلماء المعارضين إلى مناظرة مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وذلك من قوله لابن عفالق « لو يظهر عالم يواجه ابن عبد الوهاب..» ولكن ابن عفالق يتهرب من ذلك.

ويستمر العلماء في الرد على الشيخ ولم يثن عزم الشيخ محمد ذلك بل أرسل لهم الردود الواضحة التي تبين صدق طريقته ودعوته السلفية. ثم دخل عام 1161هـ وبدأت بعض المواجهات بين الدعوة وخصومها وأهم المواجهات الوقعات التالية :

موقعة البنية :
قاد عثمان بن معمر هذه الموقعة في عام 1161هـ بجيش من أهل العيينة وأهل الدرعية وفيهم عبد العزيز بن محمد بن سعود، وأهل حريملاء وأهل ضرماء ، وزحف بهذا الجيش إلى الرياض وباغتها من شرقيها عبر وادي الوتر «البطحاء» وعسكر الجيش بين العود والبنية ، وحدث في اليوم الأول تراشق ورمي، سقط فيه قتلى من الجانبين، وفي آخر ذلك اليوم تحركت قوات الدعوة إلى منفوحة وأقاموا فيها ثلاثة أيام، يتشاورون في الطريقة التي يتم بها استدراج قوات الرياض إلى المواجهة المباشرة معهم، ثم اتجه الجيش إلى الرياض، حيث قسم إلى فرقتين : الأولى اتجهت إلى «صياح» فدخلوها صباحاً ، وتم الاستيلاء على مافيها من الأموال بعد قتال شديد .أما الفرقة الثانية وهم أهل حريملاء وأهل عرقة فساروا إلى «مقرن» وتوغلوا حتى وصلوا إلى «الظهيرة» فاجتمع أهل البلد عند قصر الأمير دهام بن دواس فالتقى الفريقان والتحما في قتال شديد انتهى بهزيمة المهاجمين وسقوط 25 قتيلاً منهم ، وغادر الناجون البلد، ثم إن دهام وأهل بلده تشجعوا بعد هزيمة هذه الفرقة وكروا على الفرقة الأولى المنتشين بالانتصار والمنتشرين في المنازل والمزارع يجمعون الغنائم ففاجأهم دهام ورجاله ودارت معركة بين الطرفين قتل من جيش الدعوة خلالها عشرون رجلاً، وكان مجموع قتلى جيش الدعوة في ذلك اليوم 45 قتيلاً. وهكذا تجمعت فلول جيش الدعوة خارج البلد، وقاموا بهدم بعض التحصينات الدفاعية في الرياض وعادوا إلى بلدانهم.


موقـعـة الخـريزة :
في العام نفسه قاد الأمير عثمان بن معمر جيش الدعوة المؤلف من أهل العيينة وأهل حريملاء وأهل الدرعية وفيهم عبد العزيز بن محمد بن سعود، وأهل عرقة، وتوجه الجيش إلى الرياض وعسكر في (صياح) فخرج عليهم أهل الرياض ودارت رحى معركة قوية بين الطرفين ، اشترك فيها بعض أهل منفوحة بجانب قوات الدعوة، أسفرت عن سقوط عدد من القتلى بين الجانبين ، كان منهم عشرة مقاتلين من أهل العيينة.


موقعة البطين :
هذه الموقعة من أعظم المواقع وأشهرها، انتصر فيها جيش الدعوة انتصاراً ساحقاً على أهل ثرمداء. ففي عام 1161هـ وبعد موقعة الخريزة قاد الأمير عثمان بن معمر جيش الدعوة المكون من أهالي البلدان الـثلاثـة الذين اشتركوا في موقعة الخريزة بالإضافة لضرماء ، واتجه الجيش لثرمداء، ونفذ في هذه الموقعة أسلوب الكمين وهو من الأساليب العسكرية الناجحة ، فبعد وصول الجيش إلى ثرمداء مساءً ضرب القائد معسكره في مكان يسمى البطين، وقسم جيشه إلى قسمين : قسم يقابل به أهل البلد، والقسم الآخر وهو القوة الضاربة في الجيش جعل منه كميناً في موقع قريب ، وفي الصباح الباكر خرج المقاتلون من أهل ثرمداء لمواجهة جيش الدعوة ، والتحموا معه فخرج الكمين عليهم وحمي وطيس المعركة وانجلت عن مقتل سبعين مقاتلاً من أهل ثرمداء ولاذ بقية المقاتلين بقصر قريب من موقع المعركة يسمى قصر (الحريّص) وتحصنوا فيه. وأما ثرمداء نفسها فقد خلت من المقاتلين.


غزوة ثرمداء الثانية :
في العام نفسه وبعد موقعة البطين قاد عثمان بن معمر جيش الدعوة قاصداً ثرمداء، وحاصروا البلد ولكن أهلها لم يخرجوا لمواجهة الجيش خوفاً من الكمين على غرار موقعة البطين، وحاول جيش الدعوة جر أهل ثرمداء للمواجهة، وذلك بقطع بعض الأشجار وتدمير بعض الزروع ولكن أهل البلد فضلوا عدم المواجهة ، وعندما يئس جيش الدعوة من إمكانية المواجهة، وأصبحت مقابلة البلد غير ذات جدوى قرر الجيش الرحيل عنها.


موقعة ثادق :
قاد عثمان بن معمر جيوش الدعوة في آخر عام 1161هـ وكانت وجهة الجيش هذه المرة لبلد ثادق، فوصلوا إليها ليلاً فعمد إلى تقسيم الجيش إلى قسمين ، قسم يواجه به البلد، وآخر جعله يكمن حولها، مثل ما فعل في موقعة البطين مع ثرمداء ، وعندما خرج أهل ثادق فاجأهم الكمين وهزموا، وقتل منهم سبعة مقاتلين، وغنم جيش الدعوة أغلب أغنام أهل البلد.
ثم وقعت بعد ذلك في عام 1162هـ وقعات كثيرة ومواجهات كثيرة بين الدعوة وخصومها. لا نستبعد اشتراك أهل العيينة فيها تحت قيادة أميرهم عثمان بن معمر.